فن السرور
الأربعاء 18 فبراير 2009, 23:25
من أعظم النعم سرور القلب ، واستقراره وهدوءه ،
فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس
، وقالوا. إن السرور فن يدرس ، فمن عرف كيف يجلبه
ويحصل عليه ، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسار
العيش ، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه. والأصل
الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال ، فلا يهتز من
الزوابع ولا يتحرك للحوادث ، ولا ينزعج للتوافه. وبحسب
قوة القلب وصفائه ، تشرق النفس.
إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس ، رواحل
للهموم والغموم والأحزان ، فمن عود نفسه التصبر
والتجلد هانت عليه المزعجات ، وخفت عليه الأزمات.
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا *** فأهون ما تمر به
الوحول
ومن أعداء السرور ضيق الأفق ، وضحالة النظرة ،
والاهتمام بالنفس فحسب ، ونسيان العالم وما فيه ،
والله قد وصف أعداءه بأنهم ( أهمتهم أنفسهم ، فكأن
هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم ، فلا يفكرون في
غيرهم ، ولا يعيشون لسواهم ، ولا يهتمون للآخرين. إن
على وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانا ، ونبتعد عن
ذواتنا أزمانا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا ، فنكسب
أمرين : إسعاد أنفسنا ، وإسعاد الآخرين.
من الأصول في فن السرور : أن تلجم تفكيرك وتعصمه ،
فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش ، فإنك إن تركت تفكيرك
وشأنه جمح وطفح ، وأعاد عليك ملف الأحزان وقرأ عليك
كتاب المآسي منذ ولدتك أمك. إن التفكير إذا شرد أعاد
لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف ، فزلزل أركانك وهز
كيانك وأحرق مشاعرك ، فاخطمه بخطام التوجه الجاد
المركز على العمل المثمر المفيد ، { وتوكل على الحى
الذي لا يموت } .
ومن الأصول أيضا في دراسة السرور : أن تعطي الحياة
قيمتها ، وأن تنزلها منزلتها ، فهي لهو ، ولا تستحق
منك إلا الإعراض والصدود ، لأنها أم الهجر ومرضعة
الفجائع ، وجالبة الكوارث ، فمن هذه صفتها كيف يهتم
بها ، ويحزن على ما فات منها. صفوها كدر ، وبرقها خلب
، ومواعيدها سراب بقيعة ، مولودها مفقود ، وسيدها
محسود ، ومنعمها مهدد ، وعاشقها مقتول بسيف غدرها.
أبني أبينا نحن أهل منازل *** أبدا غراب البين
فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر *** جمعتهم الدنيا
فلم يتفرقوا
أين الجبابرة الأكاسرة الألى *** كنزوا الكنوز
فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بعيشه *** حتى ثوى فحواه لحد
ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا *** أن الكلام لهم
حلال مطلق
وفي الحديث : ( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم
) وفي فن الآداب : وإنما السرور باصطناعه واجتلاب
بسمته ، واقتناص أسبابه ، وتكلف بوادره ، حتى يكون
طبعا.
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس
والتذمر والتبرم.
حكم المنية في البرية جاري *** ما هذه الدنيا
بدار قرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبرا *** ألفيتة خبرا من
الأخبار
طبعت على كدر، وأنت تريدها *** صفوا من الأقذار
والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة
نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على
شفير هاو
والعيش نوم والمنية يقظة *** والمرء بينهما خيال
ساري
فاقضوا مآربكم عجالا إنما *** أعماركم سفر من
الأسفار
وتركضوا خيل الشباب وبادروا *** أن تسترد فإنهن
عوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما *** طبع الزمان عداوة
الأحرار
والحقيقة التي لاريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع
من حياتك كل آثار الحزن ، لأن الحياة خلقت هكذا { لقد
خلقنا الإنسان في كبد }
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى