- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
حال الأتقياء ( الجزء الأول )
الجمعة 28 أغسطس 2009, 02:28
حال الأتقياء ( الجزء الأول )
يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون
صنف من عباد الله لا يفزعون عندما يفزع الناس ، ولا يحزنون عندما يحزن
الناس ، أولئك هم أولياء الرحمن الذين آمنوا بالله ، وعملوا بطاعة الله
استعداداً لذلك اليوم ، فيؤمنهم الله في ذلك اليوم ، وعندما يبعثون من
القبور تستقبلهم ملائكة الرحمن تهدئ من روعهم ، وتطمئن قلوبهم ( إِنَّ
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا
مُبْعَدُونَ - لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ
أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ - لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ
وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ
تُوعَدُونَ )[ الأنبياء : 101-103 ] ، والفزع الأكبر ، هو ما يصيب العباد
عندما يبعثون من القبور ، ( إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ
فِيهِ الأَبْصَارُ ) [ إبراهيم : 42 ] .
ففي ذلك اليوم ينادي منادي الرحمن أولياء الرحمن مطمئناً لهم ( يَا
عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ -
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) [الزخرف: 68-69]
وقال في موضع آخر : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ -
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ
تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ يونس
: 62-64 ] .
والسر في هذا الأمن الذي يشمل الله به عباده الأتقياء ، أن قلوبهم كانت في
الدنيا غامرة بمخافة الله ، فأقاموا ليلهم ، وأظمؤوا نهارهم ، واستعدوا
ليوم الوقوف بين يدي الله، فقد حكى عنهم ربهم أنهم كانوا يقولوه : (
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) [الإنسان :
10] ، ومن كان حاله كذلك فإن الله يقيه من شر ذلك اليوم ويؤمنه ، (
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً
وَسُرُورًا - وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) [الإنسان :
11-12] .
وفي الحديث الذي يرويه أبو نعيم في الحلية عن شداد بن أوس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ، لا أجمع
لعبدي أمنين ولا خوفين ، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي
، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي " (1) .
وكلما كان العبد أكثر إخلاصاً لربه تبارك وتعالى كان أكثر أمناً في يوم
القيامة ، فالموحدون الذين لم يلبسوا إيمانهم بشيء من الشرك ، لهم الأمن
التام يوم القيامة ، يدلك على هذا جواب إبراهيم لقومه عندما خوفوه
بأصنامهم ، فأجابهم قائلاً : ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ
تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ - الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم
بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ )[ الأنعام :
81-82 ] .
الذين يظلهم الله في ظله
عندما يكون الناس في الموقف العظيم تحت وهج الشمس القاسي ، يذوقون من
البلاء شيئاً تنوء بحمله الجبال الشم الراسيات – يكون فريق من الأخيار
هانئين في ظل عرش الرحمن ، لا يعانون الكربات التي يقاسي منها الآخرون .
وهؤلاء هم أصحاب الهمم العالية ، والعزائم الصادقة ، الذين تمثلت فيهم
عقيدة الإسلام ، وقيمه الفاضلة , أو قاموا بأعمال جليلة ، لها في مقياس
الإسلام وزن كبير .
فمن هؤلاء : الإمام العادل ، الذي يملك القوة والسلطان ، ولكنه لم يطغ ، وأقام العدل بين العباد وفق سلطان الشرع الإلهي .
ومنهم الشاب الذي نشأ في عبادة ربه ، وألجم نفسه بلجام التقوى ، وردع النفس والهوى ، فعاش عمره طاهراً نقياً .
ومنهم الذين يعمرون مساجد الله ، يجدون في رحابها الأنس بالله ومناجاته ، فلا يكادون يفارقونها حتى يحنوا إلى رحابها .
ومن هؤلاء المتحابون في الله تبارك وتعالى ، تجمعهم رابطة الأخوة فيه ،
ويجتمعون على البر والتقوى والصلاح ، ويتفرقون على عمل صالح .
ومنهم الذين تعرض لهم فتنة النساء ، فيحول خوف الله بينهم وبين الوقوع في الفاحشة .
ومنهم المنفق الذي يخلص في دينه لله ، فيخفي الصدقة حتى عن نفسه .
ومنهم الذي تملأ مخافة الله قلبه ، فتفيض عيناه من أجل ذلك وهو وحيد ليس معه أحد .
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ،
الإمام العادل ، وشاب ينشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ،
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات
منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما
تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " (2) .
وقد جاءت نصوص كثيرة تدل على إظلال الله للمتحابين فيه في ظل العرش في ذلك
اليوم منها حديث أبي هريرة عند مسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم
في ظلي ، يوم لا ظل إلا ظلي " (3) .
وفي معجم الطبراني الكبير ومسند أحمد ، وصحيح ابن حبان ، ومستدرك الحاكم ،
عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المتحابين في الله
في ظل العرش " (4) . وفي كتاب ((الإخوان)) لابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن
عبادة ابن الصامت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى
: " حقت محبتي على المتحابين ، أظلهم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظلي " (5)
.
والإضلال في ظل العرش لي مقصوراً على السبعة المذكورين في الحديث ، فقد
جاءت النصوص كثيرة تدل على أن الله يظل غيرهم ، وقد جمع ابن حجر العسقلاني
الخصال التي يظل الله أصحابها في كتاب سماه : (( معرفة الخصال الموصلة إلى
الظلال )) (6) .
ومن هذه الخصال إنظار المعسر أو الوضع عنه ، ففي صحيح مسلم ومسند أحمد عن
أبي اليسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنظر معسراً أو وضع
عنه ، أظله الله في ظله " (7) .
وفي مسند أحمد وسنن الدارمي بإسناد صحيح عن أبي قتادة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : " من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم
القيامة " ( .
الذين يسعون في حاجة إخوانهم ويسدون خلتهم
من أعظم ما يفرج كربات العبد في يوم القيامة سعي العبد في الدنيا في فك
كربات المكروبين ، ومساعدة المحتاجين ، والتيسير على المعسرين ، وإقالة
عثرات الزالين ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله
عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومنم يسر على معسر ، يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " (9) .
وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة
أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج الله عنه كربة من
كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " (10) .
وروى الدينوري في ((المجالسة)) والبيهقي في ((الشعب)) والضياء في
((المختارة)) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نصر أخاه
بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة " (11) .
الذين ييسرون على المعسرين
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " كان رجل يداين الناس ، فكان يقول لفتاه : إذا أتيت
معسراً تجاوز عنه ، لعل الله أن يتجاوز عنا ، فلقي الله فتجاوز عنه " (12)
.
وروى النسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " إن رجلاً لم يعمل خيراً قط ، وكان يداين الناس ،
فيقول لرسوله : خذ ما تيسر ، واترك ما عسر ، وتجاوز ، لعل الله يتجاوز عنا
.
فلما هلك قال : هل عملت خيراً قط ؟ قال : لا ، إلا أنه كان لي غلام ، وكنت
أداين الناس ، فإذا بعثته يتقاضى قلت له : خذ ما تيسر ، واترك ما عسر ،
وتجاوز ، لعل الله أن يتجاوز عنا . قال الله : قد تجاوزت عنك " (13) .
وفي مستدرك الحاكم بإسناد صحيح عن حذيفة ، وعقبة بن عامر ، وأبي مسعود عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتى الله عز وجل بعبد من عباده آتاه
الله مالاً ، فقال له : ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال : ما عملت من شيء يا
رب ، إلا إنك آتيتني مالاً، فكنت أبايع الناس ، وكان من خلقي أن أيسر على
الموسر وأنظر المعسر . قال الله تعالى : أنا أحق بذلك منك ، تجاوزوا عن
عبدي " (14) .
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا
العادلون في يوم القيامة في مقام رفيع ، يجلسون على منابر من نور عن يمين
الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقسطين عند الله على منابر من نور
، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم
وأهليهم وما ولوا " (15) .
--------------------------------
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (2/377) ، ورقمه : 742 ، وإسناده حسن .
(2) صحيح البخاري ، كتاب الأذان ، باب من جلس في المسجد ، فتح الباري :
(2/143). ورواه مسلم : (2/715) ، ورقمه : (1031) والسياق للبخاري .
(3) رواه مسلم : (4/1988) ، ورقمه : 2566 .
(4) صحيح الجامع الصغير : (2/161) ورقمه : 1933 .
(5) صحيح الجامع الصغير : (4/116) .
(6) فتح الباري : (2/144) .
(7) صحيح مسلم : (4/2302) ، ورقمه : 3006 .
( صحيح الجامع الصغير : (4/364) ، ورقمه : 1452 .
(9) مشكاة المصابيح : (1/71) ورقم الحديث : 204 .
(10) صحيح البخاري ، كتاب المظالم ، باب لا يظلم المسلم المسلم ، فتح الباري : (5/97) .
(11) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (3/218) ، ورقم الحديث : 1217 .
(12) مشكاة المصابيح : (2/108) ، ورقم الحديث : (2899) .
(13) صحيح الجامع الصغير : (2/204) ، ورقم الحديث : 2073 .
(14) صحيح الجامع الصغير : (1/92) ، ورقم الحديث : 124 .
(15) صحيح مسلم : (3/1458) ، ورقم الحديث : 1827 .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى