- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
بَعض معَالم أهَوال القيَامَة
الجمعة 28 أغسطس 2009, 02:23
بَعض معَالم أهَوال القيَامَة
يحدثنا القرآن عن أهوال ذلك اليوم التي تَشْدَه الناس ، وتشدُّ أبصارهم ، وتملك عليهم نفوسهم ، وتزلزل قلوبهم .
ومن أعظم تلك الأهوال ذلك الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يصيب الأرض وجبالها ، والسماء ونجومها وشمسها وقمرها .
يحدثنا ربنا أن الأرض تزلزل وتدكُّ ، وأن الجبال تُسَيَّر وتنسف ، والبحار
تُفجّر وتُسجَّر ، والسماء تتشقق وتمور ، والشمس تُكوَّر وتذهب ، والقمر
يخسف ، والنجوم تنكدر ويذهب ضوؤها ، وينفرط عقدها .
وسأذكر بعض النصوص التي تصور وقائع تلك الأهوال ثم أذكر ما يحدث لكل واحد من العوالم العظيمة في ذلك اليوم .
قبض الأرض وطي السماء
يقبض الحق تبارك وتعالى الأرض بيده في يوم القيامة ، ويطوي السماوات
بيمينه ، كما قال تبارك وتعالى : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [
الزمر : 67 ] .
وقد أخبرنا في موضع آخر عن كيفية طيه للسماوات فقال : ( يَوْمَ نَطْوِي
السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ
نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) [ الأنبياء :
104 ] .
قال ابن كثير : " والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة ، قاله علي بن
أبي طلحة ، والعوفي عنه ، ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد ، واختاره
ابن جرير، لأنه المعروف في اللغة ، فعلى هذا فيكون معنى الكلام يوم تطوى
السماء كطي السجل للكتاب ، أي على الكتاب ، بمعنى المكتوب " (1) .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة دالة على مثل ما دلت عليه النصوص القرآنية ،
وهي ما يقوله الحق تبارك وتعالى بعد قبضه الأرض ، وطيه السماء ، ففي
الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا
الملك ، أين ملوك الأرض " (2) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " يطوي الله السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم
يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرض بشماله
– وفي رواية : يأخذهن بيده الأخرى – ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ،
أين المتكبرون ؟ " (3) .
وروى البخاري عن عبد الله بن مسعود أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع ، والأرضين على
إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ، والخلائق على إصبع ثم يقول :
أنا الملك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قرأ :
( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [الزمر : 67 ] (4) .
وهذا القبض للأرض والطي للسماوات يقع بعد أن يفني الله خلقه ، وقيل : إن
المنادي ينادي بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة ، لم يعص الله عليها
، واختاره أبو جعفر النحاس ، قال : والقول الصحيح عن ابن مسعود ، وليس هو
مما يؤخذ بالقياس، ولا بتأويل .
وقال القرطبي : " والقول الأول أظهر ، لأن المقصود إظهار انفراده بالملك ،
عند انقطاع دعوى المدعين ، وانتساب المنتسبين ، إذ قد ذهب كل ملك وملكه ،
وكل جبار ومتكبر وملكه ، وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، وهذا أظهر " (5) .
دك الأرض ونسف الجبال
يخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن أرضنا الثابتة ، وما عليها من جبال صم راسية
تحمل في يوم القيامة عندما ينفخ في الصور فتدك دكة واحدة : ( فَإِذَا
نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ - وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ
وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً - فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ
الْوَاقِعَةُ ) [الحاقة : 13-15] ، ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ
دَكًّا دَكًّا ) [ الفجر : 21 ] ، وعند ذلك تتحول هذه الجبال الصلبة
القاسية إلى رمل ناعم ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ
وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا ) [ المزمل : 14 ]
، أي تصبح ككثبان الرمل بعد أن كانت حجارة صماء ، والرمل المهيل : هو الذي
إذا أخذت منه شيئاً تبعك ما بعده ، يقال : أهلت الرمل أهيله هيلاً ، إذا
حركت أسفله حتى انهال من أعلاه .
وأخبر في موضع آخر أن الجبال تصبح كالعهن ، والعهن هو الصوف ، كما قال
تعالى : ( وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ) [ المعارج : 9 ] ، وفي نص
آخر مثلّها بالصوف المنفوش: ( وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ
الْمَنفُوشِ ) [ القارعة : 5 ] .
ثم إن الحق تبارك وتعالى يزيل هذه الجبال عن مواضعها ، ويسوّي الأرض حتى
لا يكون فيها موضع مرتفع ، ولا منخفض ، وعبّر القرآن عن إزالة الجبال
بتسييرها مرة ، وبنسفها أخرى ( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) [ التكوير
: 3 ] ، ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) [ النبأ : 20 ] .
وقال في نَسْفِه لها : ( وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ) [المرسلات : 10] .
ثم بين الحق حال الأرض بعد تسيير الجبال ونسفها ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ
الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ) [ الكهف : 47 ] ، أي ظاهرة لا
ارتفاع فيها ولا انخفاض ، كما قال تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا - فَيَذَرُهَا قَاعًا
صَفْصَفًا - لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) [ طه : 105-107 ] .
تفجير البحار وتسجيرها
أما هذه البحار التي تغطي الجزء الأعظم من أرضنا ، وتعيش في باطنها عوالم
هائلة من الأحياء ، وتتهادى فوقها السفن ذاهبة آيبة ، فإنها تفجر في ذلك
اليوم ، وقد علمنا في هذا العصر الهول العظيم الذي يحدثه انفجار الذرات
الصغيرة التي هي أصغر من ذرات الماء، فكيف إذا فجرت ذرات المياه في هذه
البحار العظيمة ، عند ذلك تسجر البحار ، وتشتعل ناراً ، ولك أن تتصور هذه
البحار العظيمة الهائلة وقد أصبحت مادة قابلة للاشتعال ، كيف يكون منظرها
، واللهب يرتفع منها إلى أجواز الفضاء ، قال تعالى : ( وَإِذَا الْبِحَارُ
فُجِّرَتْ ) [الإنفطار : 3] ، وقال وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ )
[التكوير: 6] .
وقد ذهب المفسرون قديماً إلى أن المراد بتفجير البحار ، تشقق جوانبها
وزوال ما بينها من الحواجز ، واختلاط الماء العذب بالماء المالح ، حتى
تصير بحراً واحداً (6) ، وما ذكرناه أوضح وأقرب ، فإن التفجير بالمعنى
الذي ذكرناه مناسب للتسجير ، والله أعلم بالصواب .
موران السماء وانفطارها
أما سماؤنا الجميلة الزرقاء التي ننظر إليها فتنشرح صدورنا ، وتسر قلوبنا
، فإنها تمور موراناً ، وتضطرب اضطراباً عظيماً ( يَوْمَ تَمُورُ
السَّمَاء مَوْرًا ) [ الطور : 9 ] .
ثم تنفطر ، وتتشقق ( إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ) [الانفطار : 1] ، (
إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ - وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ) [
الانشقاق : 1-2 ] .
وعند ذلك تصبح ضعيفة واهية ، كالقصر العظيم ، المتين البنيان ، الراسخ
الأركان ، عندما تصيبه الزلازل ، تراه بعد القوة أصبح واهياً ضعيفاً
متشققاً ، ( وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) [
الحاقة : 16 ] .
أما لون السماء الأزرق الجميل فإنه يزول ويذهب ، وتأخذ السماء في التلون
في ذلك اليوم كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء ، وتارة
صفراء ، وأخرى خضراء ، ورابعة زرقاء ، كما قال تعالى : ( فَإِذَا
انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) [الرحمن : 37] ،
وقد نقل عن ابن عباس أن السماء تكون في ذلك اليوم كالفرس الورد ، والفرس
الورد – كما يقول البغوي : تكون في الربيع صفراء ، وفي الشتاء حمراء ،
فإذا اشتد البرد تغير لونها ، وقال الحسن البصري في قوله : ( وردةً
كالدهان ) أي تكون ألواناً (7) .
--------------------------------
(1) تفسير ابن كثير : (4/602) .
(2) مشكاة المصابيح : (3/53) ، ورقمه : 5522 .
(3) مشكاة المصابيح : (3/53) ، ورقمه : 5523 .
(4) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قوله الله تعالى : ( لما خلقت بيديَّ ) [ ص : 75 ] ، فتح الباري : (13/393) .
(5) تذكرة القرطبي : 172 .
(6) تفسير الألوسي : (30/63) .
(7) تفسير ابن كثير : (6/494) .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى