- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
ما يسأل عنه العباد
الجمعة 28 أغسطس 2009, 02:10
ما يسأل عنه العباد
يسأل العباد عن الإله الذي كانوا يعبدونه ، وعن إجابتهم للمرسلين ، وقد بينا ذلك فيما مضى .
ويسألون عن أعمالهم التي عملوها ، وعما تمتعوا به من النعيم في الحياة
الدنيا ، كما يسألون عن عهودهم ومواثيقهم ، وعن أسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم
، وهذا ما سنبينه في هذا المبحث .
1- الكفر والشرك :
أعظم ما يسأل عنه العباد هو كفرهم وشركهم ، فيسألهم عن الشركاء والأنداء
الذين كانوا يعبدونه من دون الله كما قال تعالى : ( وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ
مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ - مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ
يَنتَصِرُونَ ) [ الشعراء : 92-93 ] ، ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ
أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) [القصص : 62] .
ويسألون عن عبادتهم لغير الله من تقديم القرابين للآلهة التي كانوا
يعبدونها ، ونحر الذبائح باسمها ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ
نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ
تَفْتَرُونَ ) [ النحل : 56 ] .
ويسألون عن تكذيبهم للرسل : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا
أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ - فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ
فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ ) [ القصص : 65-66 ] .
2- ما عمله في دنياه :
يسأل المرء في يوم القيامة عن جميع أعماله التي عملها في الحياة الدنيا ،
كما قال تعالى : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ - عَمَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الحجر : 92-93] . وقال : ( فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) [الأعراف
: 6] ، وفي سنن الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتى يسأل عن
عمره فيم أفناه ، وعن علمه فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟
وعن جسمه فيم أبلاه ؟ " (1) .
وفي سنن الترمذي أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه ، حتى
يسأل عن خمس : عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين
اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم " (2) .
والذي يتأمل في مثل هذا الحديث يعلم السر في دعوة الرسول صلى الله عليه
وسلم المسلم إلى التخفف من المال ، فكلما كثر مال العبد كثر حسابه وطال ،
وكلما قل ماله خف حسابه وأسرع به إلى الجنة ، وقد أخبرنا الرسول صلى الله
عليه وسلم أن فقراء المهاجرين يسبقون أغنياءهم إلى الجنة بأربعين سنة ،
ففي صحيح مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال : جاء ثلاثة نفر إلى عبد الله
بن عمرو بن العاص ، وأنا عنده ، فقالوا : يا أبا محمد ، إنا والله ، ما
نقدر على شيء ، لا نفقة ، ولا دابة ، ولا متاع . فقال : ما شئتم إن شئتم
رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم . وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان.
وإن شئتم صبرتم . فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن
فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء ، يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً
" (3) .
3- النعيم الذي يتمتع به :
يسأل الله عباده في يوم القيامة عن النعيم الذي خولهم إياه في الدنيا ،
كما قال : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) [التكاثر :
8] .
يعني بالنعيم شبع البطون ، وبارد الماء ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق ،
ولذة النوم ، وقال سعيد بن جبير : حتى عن شربة عسل . وقال مجاهد : عن كل
لذة من لذات الدنيا . وقال الحسن البصري : من النعيم الغذاء والعشاء .
وقال أبو قلابة : من النعيم أكل السمن والعسل بالخبز النقي . وعن ابن عباس
: النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار (4) .
وهذا الذي فسروها به من باب التنوع في التفسير ، فإن أصناف النعيم كثيرة
لا تعد ولا تحصى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [إبراهيم : 34] ، وبعض
أنواع النعيم من الضروريات وبعضها من الكماليات ، والناس يتفاوتون في ذلك
فيما بينهم ، ويوجد في عصر مالا يجده أهل عصور أخرى ، وفي بلد ما لا يجده
أهل بلاد أخرى ، وكل ذلك يسأل عنه العباد .
روى الترمذي بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح
لك جسمك ؟ ونروك من الماء البارد " (5) .
وبعض الناس لا يستشعر النعم العظيمة التي وهبه الله إياها ، فلا يدرك
النعمة التي في شربة الماء ، ولقمة الطعام ، وفيما وهبه الله من مسكن
وزوجة وأولاد ، ويظن أن النعم تتمثل في القصور والبساتين والمراكب فحسب ،
فقد سأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟
فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال: نعم . قال : ألك مسكن
تسكنه ؟ قال : نعم . فأنت من الأغنياء . قال فإن لي خادماً . قال : فأنت
من الملوك (6) .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " (7) ، ومعنى هذا
أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين ، لا يقومون بواجبهما ، ومن لا يقوم
بحق ما وجب عليه فهو مغبون .
وفي مسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا بأس بالغنى لمن
اتقى الله عز وجل ، والصحة لمن اتقى الله خير من الغنى ، وطيب النفس من
النعيم " ( .
وفي بعض الأحاديث النبوية بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم عن صورة من
صور السؤال عن النعيم الذي يواجه الله به عباده في ذلك اليوم ، ففي صحيح
مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يلقى (الرب) العبد
فيقول : أي فُل (9) ، ألم أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخر لك الخيل
والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . قال : فيقول : أفظننت أنك
ملاقي ؟ قال : فيقول : لا . فيقول : فإني أنساك كما نسيتني .
ثم يلقى الثاني فيقول : أي فُل ، ألم أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخر لك
الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . أي رب ، فيقول : أفظننت
أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول : فإني أنساك كما نسيتني .
ثم يلقى الثالث ، فيقول له مثل ذلك . فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك
وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ، ويثني بخير ما استطاع . فيقول : ههنا اذن (10)
.
قال : ثم يقال له : الآن نبعث عليك شاهداً عليك ، ويتفكر في نفسه ، من ذا
يشهد علي ؟ فيختم الله على فيه . ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي فتنطق
فخذه ولحمه وعظامه بعمله . وذلك ليعذر من نفسه .
وذلك المنافق الذي يسخط الله عليه " (11) .
والسؤال عن النعيم سؤال عن شكر العبد لما أنعم الله به عليه ، فإذا شكر
فقد أدى حق النعمة ، وإن أبى وكفر ، أغضب عليه الله ، ففي صحيح مسلم عن
أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد
أن يأكل الأكلة ، فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها " (12) .
4- العهود والمواثيق :
يسأل الله عباده عما عاهدوه عليه ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ
مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ
مَسْؤُولًا ) [ الأحزاب : 15 ] ، وكل عهد مشروع بين العباد فإن الله سائل
العبد عن الوفاء به ( وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ
مَسْؤُولاً ) [ الإسراء : 34 ] .
5- السمع والبصر والفؤاد :
يسأل الله العباد عن جميع ما يقولونه ، ولذلك حذرهم من القول بلا علم (
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) [الإسراء : 36] ،
قال قتادة : " لا تقل رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم ،
فإن الله سائلك عن ذلك كله " (13) .
قال ابن كثير : " ومضمون ما ذكروه في الآية أن الله نهى عن القول بغير علم
، بل بالظن ، الذي هو التوهم والخيال . كما قال تعالى : ( اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الحجرات : 12] .
وفي الحديث: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " ، وفي سنن أبي داود بئس
مطية الرجل : ( زعموا ) وفي الحديث الآخر : " إن أفرى الفرى أن يري الرجل
عينيه ما لم تريا " وفي الصحيح : " من تحلم حلماً كلف يوم القيامة أن يعقد
بين شعيرتين وليس بفاعل " (14) .
--------------------------------
(1) سنن الترمذي : 2417 . قال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح ، وكذا رمز له الشيخ ناصر بالصحة في صحيح الجامع : (6/148) ، ورقمه :
7177 وهو في صحيح سنن الترمذي : 1970 .
(2) جامع الأصول : (10/437) ، ورقمه : 7970 . وهو حديث حسن كما قال محقق
جامع الأصول ، وقد حسنه الشيخ ناصر في صحيح الجامع : (6/148) ، ورقمه :
7176. وهو في صحيح سنن الترمذي : 1969 . ورقمه في سنن الترمذي : 2416 .
(3) صحيح مسلم : (4/2285) . ورقمه : 2979 .
(4) تفسير ابن كثير : 7/364 .
(5) مشكاة المصابيح : (2/656) ورقمه : (5196) ، وقال محقق المشكاة : إسناده صحيح .
(6) صحيح مسلم : (4/2285) ورقم الحديث : 2979 .
(7) صحيح البخاري : 6412 .
( مشكاة المصابيح : (2/676) ، ورقمه : 5290 ، وعزاه المحقق إلى ابن ماجة ، وقال : إسناده صحيح .
(9) فل ، أي : يا فلان .
(10) معناه قف : ههنا إذن .
(11) رواه مسلم في صحيحه : (4/2280) ، ورقمه : 2968 .
(12) صحيح مسلم : 2734 .
(13) تفسير ابن كثير : (4/308) .
(14) تفسير ابن كثير : (4/308) .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى