- youyou17
عدد الرسائل : 2077
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 12/05/2009
هل يُسأل الكفَّار ؟ ولماذا يُسألون ؟
الجمعة 28 أغسطس 2009, 02:15
هل يُسأل الكفَّار ؟ ولماذا يُسألون ؟
اختلف العلماء في الكفار : هل يحاسبون ويسألون ؟ أم يأمر بهم إلى النار من
غير سؤال ، لأن أعمالهم باطلة حابطة فلا فائدة من السؤال والحساب ؟ وإذا
كانوا يحاسبون ويسألون فما فائدة حسابهم وسؤالهم ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " هذه المسألة تنازع فيها المتأخرون من أصحاب
أحمد وغيرهم ، فممن قال إنهم لا يحاسبون أبو بكر عبد العزيز ، وأبو الحسن
التميمي ، والقاضي أبو يعلى ، وغيرهم ، وممن قال : إنهم يحاسبون : أبو حفص
البرمكي من أصحاب أحمد ، وأبو سليمان الدمشقي ، وأبو طالب " (1) .
والصحيح أن الكفار محاسبون مسؤولون كما أن أعمالهم توزن ، وقد دلت على ذلك
نصوص كثيرة ، كقوله تعالى : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ
شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) [القصص : 62]، وقوله : (
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) [
القصص: 65] ، وقوله : ( فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ - فَهُوَ فِي
عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ - وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ - فَأُمُّهُ
هَاوِيَةٌ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ - نَارٌ حَامِيَةٌ ) [القارعة :
6-11] . وقوله : ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ - تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ
النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ - أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى
عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ) [ المؤمنون : 103-105 ] ولا شك
أن هذه النصوص في الكفار المشركين .
أما لماذا يحاسبون وتوزن أعمالهم مع أن أعمالهم حابطة مردودة فلأمور :
الأول : إقامة الحجة عليهم ، وإظهار عدل الله فيهم ، ولا أحد أحب إليه
العذر من الله ، وهو صاحب العدل المطلق ، ولذلك يسألهم ويحاسبهم ، ويطلعهم
على سجلاتهم التي حوت أعمالهم ، ويظهر الميزان عظم سيئاتهم وشناعة أفعالهم
( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ
نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا
بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) [ الأنبياء : 47 ] ، ( وَوُضِعَ
الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا
كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [ الكهف : 49 ] .
يقول القرطبي : " والباري – سبحانه وتعالى – يسأل الخلق في الدنيا والآخرة تقريراً لإقامة الحجة وإظهاراً للحكمة " (2) .
الثاني : أن الله يحاسبهم لتوبيخهم وتقريعهم ، يقول شيخ الإسلام : " يراد
بالحساب عرض أعمال الكفار عليهم وتوبيخهم عليها ، ويراد بالحساب موازنة
الحسنات بالسيئات، فإن أريد بالحساب المعنى الأول ، فلا ريب أنهم محاسبون
بهذا الاعتبار .
وإن أريد به المعنى الثاني فإن قصد ذلك أن الكفار تبقى لهم حسنات يستحقون بها الجنة فهذا خطأ ظاهر " (3) .
وهذا التأنيب والتقريع والتوبيخ ظاهر من نصوص كثيرة كقوله تعالى( وَلَوْ
تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ
قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ
تَكْفُرُونَ ) [ الأنعام : 30 ] . وقوله : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا
عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى
أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ) [ الأنعام : 130 ] ، وقوله :
( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ - وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا
كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ) [ الشعراء : 91-92 ] ، وقوله : ( وَقِيلَ ادْعُوا
شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا
الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ) [ القصص : 64 ] .
قال ابن كثير : " وأما الكفار فتوزن أعمالهم ، وإن لم تكن لهم حسنات
تنفعهم يقابل بهذا كفرهم ، لإظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق " (4)
.
الثالث : أن الكفار مكلفون بأصول الشريعة كما هم مكلفون بفروعها ، فيسألون
عما قصروا فيه وخالفوا فيه الحق ، يقول القرطبي : " وفي القرآن ما يدل على
أنه مخاطبون بها ( أي فروع الشريعة ) مسؤولون عنها ، محاسبون بها ، مجزيون
على الإخلال بها ، لأن الله تعالى يقول : ( وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ -
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) [ فصلت : 6-7 ] ، فتوعدهم على منعهم
الزكاة ، وأخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
- قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ - وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ - وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ - وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ ) [ المدثر : 42-46 ] ، فبان بهذا أن المشركين مخاطبون
بالإيمان والبعث وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأنهم مسؤولون عنها ،
مجزيون " (5) .
الرابع : أن الكفار يتفاوتون في كفرهم وذنوبهم ومعاصيهم ، ويحلون في النار
بمقدار هذه الذنوب ، فالنار دركات بعضها تحت بعض ، كما أن الجنة درجات
بعضها فوق بعض ، وكلما كان المرء أشد كفراً وضلالاً كلما كان أشد عذاباً ،
وبعض الكفرة يكون في الدرك الأسفل من النار ، ومنهم المنافقون ( إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) [ النساء : 145
] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " عقاب من كثرت سيئاته أعظم من عقاب من
قلَّت سيئاته ، ومن كان له حسنات خففت عنه العذاب ، كما أن أبا طلب أخف
عذاباً من أبي لهب .. فكان الحساب لبيان مراتب العذاب ، لا لأجل دخولهم
الجنة " (6) . ويذكر القرطبي في وزن أعمال العباد وجهين :
الأول : أنه يوضع في إحدى الكفتين كفره وسيئاته . ولا يجد الكافر حسنة
توضع في الكفة الأخرى ، فترجح كفة السيئات لكون كفة الحسنات فارغة .
والثاني : أن حسنات الكافر من صلة رحم ، وصدقة ، ومواساة للناس توضع في
كفة الحسنات ، ولكن كفة السيئات ترجح بسبب كفره وشركه (7) والوجه الأول هو
الصحيح لأن الشرك يحبط العمل ، ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ ) [ الزمر : 65 ] ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ ) [ البقرة : 217 ] . وفي الحديث : " إن الله لا يقبل من العمل
إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه " ( .
ولأنه قد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الكافر يطعم بحسنته في
الدنيا فيوافى يوم القيامة وليس له حسنة ، ففي صحيح مسلم ، ومسند أحمد أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يظلم مؤمناً حسنته ،
يعطى بها في الدنيا ( وفي رواية يثاب عليها الرزق في الدنيا ) ويجزى بها
في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بها بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا ، حتى
إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " (9) .
توجيه النصوص الدالة على أن الكفار لا يُسألون :
فإن قيل : قررتم فيما سبق أن الكفار يسألون ويجادلون ويتكلمون ويعتذرون ،
فيكف تفعلون بالنصوص الدالة على خلاف ذلك ، كقوله تعالى : ( وَلَا
يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) [ القصص : 78 ] ، وقوله : (
فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ ) [ الرحمن :
39 ] ، وقوله : ( هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ - وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ ) [ المرسلات : 35-36 ] ، ونحو ذلك من النصوص .
فنقول : ليس بين هذه النصوص وتلك تعارض ، وقد وفق أهل العلم بينهما بوجوه عدة .
الأول : أن الكفار لا يسألون سؤال شفاء وراحة ، وإنما يسألون سؤال تقريع
وتوبيخ ، لم عملتم كذا وكذا ؟ (10) وكذا يقال في تكليمهم واعتذارهم، أي لا
يكلمهم الله بما يحبونه ، بل يكلمهم كلام تقريع وتوبيخ (11) .
الثاني : أنهم لا يسألون سؤال استفهام ، لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ،
وإنما يسألون سؤال تقرير ، فيقال لهم : لم فعلتم كذا ؟ قال الحسن وقتادة :
لا يسألون عن ذنوبهم ، لأن الله حفظها عليهم وكتبتها عليهم الملائكة (12) .
الثالث : أنهم يسألون في يوم القيامة في موطن دون موطن ، قال القرطبي : "
القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك " (13) .
وقال السفاريني : " وقيل يسألون في موطن دون موطن رواه عكرمة عن ابن عباس
رضي الله عنهما .. فللناس يوم القيامة حالات ، والآيات مخرجة باعتبار تلك
الحالات ، ومن ثَمَّ قال الإمام أحمد في أجوبته القرآنية : أول ما تبعث
الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم في الاعتذار
فيعتذرون ، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون ، فذلك قوله تعالى : (
رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ) [
السجدة : 12 ] " (14) الآية ، فإذا أذن لهم في الكلام تكلموا ، واختصموا ،
فذلك قوله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ ) [الزمر : 31] ، عند الحساب وإعطاء المظالم ، ثم يقال لهم
بعد ذلك : ( لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم
بِالْوَعِيدِ ) [ق : 28] ، يعني في الدنيا ، فإن العذاب مع هذا القول كائن
" (15) .
الرابع : قال القرطبي : " أن معنى قوله تعالى : ( وَلَا يُسْأَلُ عَن
ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) [ القصص : 78 ] ، سؤال التعرف لتمييز
المؤمنين من الكافرين ، أي إن الملائكة لا تحتاج إلى أن تسأل أحداً يوم
القيامة أن يقال : ما دينك ؟ وما كنت تصنع في الدنيا ؟ حتى يتبين لهم
بإخباره عن نفسه أنه كان مؤمناً أو كان كافراً ، لكن المؤمنين يكونون
ناضري الوجوه منشرحي الصدور ، ويكون المشركون سود الوجوه زرقاً مكروبين ،
فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار ، وتميزهم في الموقف كفتهم مناظرهم
عن تعرف أديانهم .. " (16) .
--------------------------------
(1) مجموع فتاوي شيخ الإسلام : (4/305) .
(2) تذكرة القرطبي : 225 .
(3) مجموع فتاوي شيخ الإسلام : (4/305) .
(4) النهاية ، لابن كثير : (2/35) .
(5) تذكرة القرطبي : 309 .
(6) مجموع فتاوي شيخ الإسلام : (4/305) .
(7) تذكرة القرطبي : 312 .
( رواه النسائي في الجهاد عن أبي أمامة ، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 52 .
(9) سلسلة الأحاديث الصحيحة : (1/82) ورقمه : 53 .
(10) التذكرة للقرطبي : 286 .
(11) انظر : تذكرة القرطبي : 287 .
(12) لوامع الأنوار البهية : (2/174) .
(13) تذكرة القرطبي : 286 .
(14) لوامع الأنوار البهية : (2/174) .
(15) لوامع الأنوار البهية : (2/174) .
(16) تذكرة القرطبي : 287 .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى